السبت، 25 ديسمبر 2010

اليتيمة

اليتيمة الصغيرة
أماه ما إن فتحت عيني على هذا الوجود الرحب حتى عرفتك كيانا أجد فيه حضنا دافئا وحبا وديعا، وأنسا كريما ، وغذاء وفيرا ، وقلبا حنونا.
كنت أرى كثيرا من الأشياء حولي ،أرى أمهات كثيرات ، ولكنك تتميزين عنهن تميز الألوان، وعندما أبكي تتحرك أوتار الحب لديك ، فتعزف حنانا ومودة ورحمة.
كنت ضعيفة أحتمي بك من كل مكروه يصيبني، أحتمي بصوتك الرنان ولسانك الحنان الذي لا يدخر جهدا في إطلاق عبارات الود والدلال ، كان يغمرني فينقشع الغيض من صدري انقشاع الضباب من على وجه الأرض.
هكذا كنت أراك وهكذا صورك الله في مخيلتي، حتى اقتنعت أنك الوجود الرحب، وأنك الأمل ، وأنك الحياة.
وكلماَََ كبرت كبرت معي صورتك، وعظم عندي مقامك ، وغمرتني إرشاداتك ودروسك التي كنت أتلقاها منك لقد علمتني كيف أكون  وكيف لا أكون، لقد طبع الله على قلبي كلمة تهتز لها الأعماق وتبذر في مهجتي  العزة والأشواق، إنها كلمة'' أمي'' حرمتني منها الأيام بعدما اشتد تعلقي بك، اشتدادا لا يوصف ولا يقدر، حتى صرت أراك في منامي وفي يقظتي أراك ماثلة أمامي في حجرة الدرس ، أراك عندما أغمض عيني ، فسبحان الذي بذر في نفوس العباد وغير العباد هذه العلاقة الوطيدة بين الأمهات  والأبناء، أراك وجودا ملازما صادقا ومفضلا.
لقد نزل نبأ وفاتك على قلبي نزول الصاعقة ، وحينها شعرت بدوار مفاجئ قد غمرني وأفقدني وعيي ساعات طوال ما أصعب هذه المفاجأة وما أشدها حتى تمنيت لو كنت مجنونة حتى لا أعقل مثل هذه الأنباء القاتله التي تصيب أعماق الانسان فتحرق أكبادها وتلهب أعماقها، ولما أفقت وجدت المنزل قد غص بالنسوة يذرفن دموع الحسرة والأسى على هذا المصاب الجلل .
أيتها الأم الحنون ، بأي دمع أبكيك إن قلبي يتفتت ويتألم ، أطلقت العنان للدموع حتى أشفي غيضي وأريح حنقي من هذه المصيبة التي حلت بي وبإخوتي وضاقت بي الأرض بما رحبت ، وصرت كالعصفورة التي تهاوت تحت ضربات البرد في يوم ممطر.
أماه لقد اختطفك الموت مني اختطافا ولم يمهلني حتى ارتوي من حنانك وودك، لقد طار قلبي وراءك وطارعقلي وأفقدني صوابي، وهل الدموع كافية كي أنساك لا أظن ذلك صحيحا لأن صورتك المتكاملة مغروسة في كياني سوف تبقى بين عيني تلازمني حتى الموت ، وكلما أذكرك يهزني إحساس دافق بمدى تأثري لفقدانك، أيتها الأم الغاليه وداعا وداعاإلى أن يجمعنا الله يوما إن شاء في جنة  الخالدين ، وهنالك سأراك وسوف أمعن فيك النظر حتى أشفي غليلي وسأتمتع برؤيتك ،وهنالك أنسى الدنيا ولوعة الفراق وداعا ياأمي وداعا وداعا أيتها الغاليه.

                                                      الأستاذ : الشاعر والكاتب بوتمجت ابراهيم.

      

الشعر .

                         أمي
أمي كلمة لو وضعتها في ميزان الدنيا  لوزنته، ولو نطقت بها في عتمات  الأسى لبددته ونسفته ، ابتسامتك سحر مفطور ، ونظراتك نور فوق نور ، ورائحتك مسك منثور.
أمي!!! أنا ابنتك التي تملكها الحزن ، وتلاعبت بها الأقدار، وتقطعت بها السبل، وانهارت جسورها واكفهرت الدنيا فيوجهها.
أمي!كلمة حين أذكرها ينبض قلبي شوقا واشتياقا ، وأتلهف لرؤية وجهك المشرق القسمات.
كلمة تكاد تبتسم لها الأشواق ، ولها تنتعش القلوب والأهواء.
أنت التي أرضعتني حليب العزة والكرامة ، وألبستني ثوب الشهامة ، وطبعت على جبيني قبلة المحبة والحنان، لجديرة بالتقدير والحب والاحترام.
لقد طويت حظي ونبذته في سلة المهملات ، ونفضت يدي من سعادة الدنيا، وبريق الحياة ، لقد حبست حبي بعدك ورميت به في غيا بات اليأس،  وامتثلت للمصير المحتوم ، ودخلت مجال التأوه والآهات.
أين أنت ياأمي؟  !لماذا تفارقيني وأنا في أمس الحاجة إليك ، وهل تعود الأيام لترحميني بدفء نظراتك ، وحنين قلبك ، لقد حطمتني الأحزان وتلاعبت بي الهموم والأشجان.
لقد بحثت عنك في سوق الحب والحنان متوسلة مرة ومبتاعة أخرى ، فوجدت أنواعا شتى من الحب والحنان ولكنها كلها نسخ لغير أصل، وما وجدت حنانا يماثل حنانك ولا عطفا يماثل عطفك.
لقد سألت عنك الليل وساعاته الطوال والنجوم والنهار لعلي اعثر على بقايا لطفك وحنانك ، لكن هيهات هيهات  تجري الرياح بما لاتشتهي السفن .
تجولت في أعماق الخيال أقلب صفحاته صفحة تلوى الأخرى، وفجأة استقرت أمامي صورتك الجميلة وأنت واقفة بقلب الدار تنظفين أثاثه المغبر، كم كانت الصورة رائعة متكاملة مبهرة، وبجرأة مني، وفي الحين حاولت التقاط هذه الصورة حتى استشف منها ما يشفي غليلي ويريح قلبي من حرقة الفراق ، فلم أتمكن من ذلك وضاعت الصورة ، وضاع معها الخيال ، وفي الحين خرجت  من المحاولة مكسورة الحظ مبتورة الجناح أصارع آلام الفراق مرة أخرى.
أمي ما السبيل وأنا أحبك؟!.
احترقت من لوعة الفراق وألم الاشتياق، بدموع الأسى جمعت قواي ورحت أسير بخطى المهزوم، ثم رفعت يدي إلى السماء متضرعة حينا ومتوسلة أخرى.
رباه كن أنيسي في وحشتي وارحم أمي بين أضلع القبر واسكنها جناتك التي تجري من تحتها الأنهار.                                                                                 
                                                                                                                   الكاتب : بوتمجت ابراهيم